حصيلة عام على إدارة الرئيس بايدن



منذ وصول الرئيس الأمريكي بايدن الى البيت الأبيض بدأت الإدارة الأمريكية برسم خطوط عريضة واضحة تتعلق بشكل السياسات والأولويات بالنسبة للإدارة الجديدة. ولكن بعد مرور عام يتفق الكثيرون أن الاستراتيجية الامريكية تعاني من عدم الوضوح في الرؤية ونقص الفاعلية في التطبيق.

في العودة الي خطوط الإدارة الامريكية العريضة في السياسية الدولية، جاءت عملية احتواء كل من الصين وروسيا على رأس أولويات هذه الإدارة ، خصوصاً مع التصريحات المباشرة التي أدلى بها مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز والتي اعتبر فيها أن القيادة الصينية تشكل أكبر اختبار جيوسياسي للولايات المتحدة ، حيث أكد أن مقاربته للاستخبارات ستركز في الأساس على الصين.

أحداث هذا العام تُشير بوضوح أن الإدارة الامريكية لم تنجح الى الان في بناء كتلة قوية لمواجهة خصومها وتطبيق رؤيتها، خصوصاً ان هذا النمط من المواجهة يحتاج الى احداث تغيير على صعيد السياسات العالمية، وهو ما يتم عادة عبر تسويق رؤية مشتركة تُشكل الاساس لاستراتيجية توسيع التحالفات، وبالرغم أن هذه ليست مواجهة أيديولوجية كما كان عليها الحال خلال الحرب الباردة ، لكنها لا تزال تتطلب القدرة على بناء كتلة من الحلفاء الذين يتشاركون نفس الرؤية والمصالح.

في الواقع ، أظهرت بعض الاحداث ان التنافس الامريكي مع الحلفاء قد يكون عامل تعطيل لقدرة واشنطن على التحرك في تطبيق رؤيتها،  كما حدث على سبيل المثال لا الحصر مع فرنسا في قضية صفقة الغواصات مع أستراليا.

 لكن قد يكون الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أحد القضايا الرئيسية التي جعلت واشنطن تخسر على الصعيدين، صعيد الحلفاء حيث تولدت حالة من الشك وانعدام الثقة في السياسة الامريكية، وعلى صعيد الخصوم الذين وجودا نفسهم مضطرين لمغادرة معسكر الانتظار باتجاه العمل المباشر ضد السياسة الامريكية.

 لا بل أن الاعتراف بطالبان أدى إلى بدء مرحلة جديدة يتبنى فيها كل من الحلفاء “المحبطين” والخصوم “المتأهبين” سياسة مناكفة أميركا.

موسكو التي كانت على موعد لمواجهة حركات تغيير داخلية تبنت نهجاً أظهر قدرة تكتكية عالية، ليس فقط في مواجهة العواقب المحتملة في أفغانستان ولكن اتخاذ خطوات للتقارب على المستوى العسكري مع دولة مهمة مثل الهند التي كان من المفترض أن تكون أحد أعمدة الولايات المتحدة في احتواء السياسات الصينية.

 تم اتخاذ خطوة تكتيكية أخرى في جورجيا تمثل خطرًا جسيمًا لإغراق حليف الولايات المتحدة الرئيسي الاتحاد الأوروبي بموجة جديدة من اللاجئين وفتح ملف أوكرانيا ورفع خطر استدراج كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إلى صراع.

ملفات الشرق الأوسط  الشائكة هي الأخرى أظهرت غياب استراتيجية أمريكية واضحة تجاه سوريا أو حتى كيفية التعامل مع الأزمة المستمرة في لبنان ، أو الوضع الهش في العراق أو الرؤى المختلفة لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة فيما يتعلق بقضايا مثل ليبيا، اليمن الصومال والسودان وحتى سوريا التي بات حلفاء واشنطن هم من يعارضون توجهاتها ويناكفون سياساتها.

 في الوقت نفسه ، لا يبدو أن العلاقات التاريخية مع بعض دول الخليج تمر في أحسن أحوالها، وفي الوقت الذي تتصدر فيه الدوحة قمة العلاقة مع واشنطن، حيث وصفها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن أنها الراعي الرسمي لمصالح الولايات المتحدة الدبلوماسية في أفغانستان،  تظهر حالة من الفتور والبرود مع دول كانت في الحقبة الماضية مركزاً أساسياً لتنفيذ الرؤية الامريكية، فعلى سبيل المثال ، صفقة مقاتلة F-35 الشهيرة مع الإمارات العربية المتحدة والتي كان من المفترض أن تتم فور ابرام أبوظبي لاتفاق السلام مع إسرائيل مازالت معلقة. لا بل أن بعض التقارير ذكرت أن وكالات المخابرات الأمريكية عثرت هذا العام على أدلة تتعلق بأعمال بناء لما تعتقد أنه منشأة عسكرية صينية سرية في الإمارات العربية المتحدة ، والتي تم إيقافها بعد تدخل واشنطن.

كذلك العلاقات بين إدارة بايدن والمملكة العربية السعودية  لا تبدوأنها إيجابية من الناحية السياسية ، وفي الواقع ذكرت بعض التقارير أن وكالات الاستخبارات الأمريكية قد خُلصت أن المملكة العربية السعودية تعمل الآن بنشاط على تصنيع صواريخها الباليستية الخاصة بمساعدة الصين.

 تأتي كل هذه التجاذبات في وقت لا تُحرز فيها إدارة بايدن أي تقدم في كبح جماح طموح إيران النووي الأمر الذي يجعل إسرائيل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط تفكر في اتخاذ إجراءات أحادية الجانب تخاطر بجر المنطقة الى تصعيد كبير .

وهو ما يتناقض مع ما سوقته الإدارة الامريكية في بداية عهدها.  فالجميع يعلم أن إدارة بايدن لم تكن راغبة في العمل مع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق نتنياهو وأن التغيير في شكل الحكومة الإسرائيلية هو نتاج للتغيير في واشنطن الا ان السياسة الامريكية قد تُعييد  حتى المشهد الإسرائيلي الى مرحلة نتنياهو مع انحسار الخيارات وفشل الحكومة بينيت في التعامل مع ايران او مع التهديد الأمني القادم من غزة او جنوب لبنان.

 وهنا لا يمكن أن ننسى تركيا الحليف التاريخي القديم للولايات المتحدة التي انتهى بها الأمر إلى كسر أحد المحرمات التي وضعها حلف شمال الأطلسي في اعتماد S400 الروسية واعتماد سياسة المناكفة والتنافس مرة أخرى مع الولايات المتحدة.

يُضاف الى ذلك  مسألة الحريات والديمقراطية التي وضعتها هذه الإدارة علي سلم الأولويات والرسائل التي يمكن فهمها من عقد قمة الرئيس بايدن للديمقراطية مؤخرًا ، حيث لم تتم دعوة معظم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

في هذا السيناريو المربك ، من الصعب حقًا تصديق وجود استراتيجية أمريكية واضحة وفعالة يمكنها مواجهة كل هذه التحديات. عداك أنه لم يصدر عن بكين حتى الآن رد واضح على التصعيد الأمريكي، لكن بالتأكيد لن تكون مثل هذه المواجهة مهمة سهلة على الإطلاق. لذلك ، إذا كانت الولايات المتحدة حريصة حقًا على تبني إستراتيجية أكثر فاعلية ، فقد تحتاج إلى استراتيجية تضمن مكاسب شركائها وفي

نفس الوقت تبدو أكثر وضوحاً في رسم خطوط  سياساتها وبلا شك أكثر حسماً في تطبيقها ودفع حلفائها لاتباعها. 

د.عامر السبايلة