كورونا “العنيد واعادة ضبط العولمة ”.. ماذا نقرأ في مقال الملك عبدالله الثاني

ربما من الطبيعي ان تدفع التحولات الدولية  الحالية والقادمة الملك عبدالله الثاني ليكتب مقالاً يشير فيه الى حجم التحديات التي تواجه العالم في مرحلة ما بعد كورونا. COVID-19.

لقد كان من الطبيعي ان يدخل العالم في عملية إعادة بناء وترتيب للمنظومة الدولية بعد مرور مئة عام على نهاية الحرب العالمية الأولى، الا ان فايروس كورونا أصر ان يكون هذا الدخول اجبارياً وسريعاً.

 فالهيئات الدولية وكثير من الأنظمة السياسية هي نتاج للسياسات التي انتجتها الحرب العالمية الاولى والثانية، ولعل بوادر انتهاء تركيبة النظام العالمي القديم جاءت مع انهيار جدار برلين، وانحسار فكرة الحرب الباردة والتحزب الايدولوجي لصالح رؤية قطبية واحدة تمت إعادة صياغة الايدلوجيا فيها وفقاً لمفهوم مكافحة الإرهاب وعنوانه الأبرز “ان لم تكن معنا فانت ضدنا”.

 فعلياً هذا ما يشير اليه الملك عبدالله في مقاله على انه الجهد الذي دفع الدول للبحث عن نوع من أنواع التشاركية والتعاون في مواجهة خطر مشترك، لم تستطع كافة الجهود السيطرة عليه بدءً من ظهور تنظيم القاعدة ووصولاً لإعلان تنظيم داعش لولايته العابرة للحدود واستمرار خطر الظهر الإرهابي في عدة مناطق.

لعل الإشارة الأبرز في مقالة الملك عبدالله هي في ما يتعلق بإعادة بناء مفهوم العولمة وهو حقيقة محطة النقاش الأبرز والاهم.

وقد يكون العامل الأبرز الذي دفع الملك عبدالله للإشارة لهذه النقطة هو الاستشعار الحقيقي للخطر القادم من فكرة تخلي الدول الكبرى عن حلفائها وسقوط معظم الاقتصاديات الكبرى في صراعات طاحنة عنوانها الأبرز الحرب الاقتصادية، “اللاأخلاقية” مما يعني منطقياً ان كثير من الدول ستنخرط في مواجهة مشاكلها الداخلية التي يصعب على الكثير منها مواجهتها منفردة، خصوصاً عندما نتحدث عن أوضاع اقتصادية سيئة وغياب لعوامل الاستمرارية وديمومة الإنتاج كنتاج للسياسات غير الواقعية التي عززتها سياسات العولمة التي قتلت الاقتصادات الواقعية وعطلت حركات الإنتاج وحولت كثير من الدول الى مراكز استثمارية وهمية  معنية فقط في تحصيل الرسوم الجمركية والضرائب ضمن دائرة “الاقتصاد الوهمي”.

اليوم تتجلى الصدمة الكبرى في مواجهة الواقع الجديد، من هنا تأتي دعوة الملك عبدالله الى إعادة بناء العولمة ضمن أسس جديدة كوصفة مهمة لحل معظم المشاكل المتوقعة التي ستظهر كنتاج طبيعي للازمة الحالية، من تفككات مجتمعية، الى حالة من عدم التوازن السياسي، وانهيارات اقتصادية وبالتالي حالات طويلة من عدم الاستقرار ، وتجدد لخطر الإرهاب وسيادة لمنظمات الجريمة مما يعني ان معظم هذه المشاكل ستندرج تحت اطار الامن العالمي مما يستدعي حقيقةً جهوداً دولية مكثفة وتعاون مشترك للحد منها او القضاء عليها قبل تجذرها في معظم الدول الهشة.

لكن للأسف، يشير التشخيص الواقعي انه قد يكون من المبكر جداً على الكثيرين استيعاب حجم الخطر الناتج عن سياسة الانغلاق والانعزال، خصوصاً ان العالم ينحى في هذه المرحلة نحو نزعة فردية كبيرة وحالة من الانانية بدأت تسيطر على كثير من الدول، الامر الذي يشير ان كثير من الدول لابد ان تستعد لمواجهة فترة زمنية صعبة في غياب منظومة التعاون الدولي أو السياسات الناظمة للعلاقات الدولية التي سادت لسنوات طويلة.

قد يكون تحدي الدول المعتمدة في تركيبتها على حليف واحد وأساسي تحدي حقيقي يضعها في امتحان اقرب ما يكون الى الامتحان الوجودي، حيث تضطر فيه هذه الدول الى تغيير منظومة العمل السياسي داخلياً وخارجياً، والبحث عن تعويض الخلل في سياسات الإنتاج والبحث عن شركاء جدد على الأقل مرحلياً لتخطي اخطار وتبعات الازمة على المدى القصير القادم.

ان التغير في طبيعة عمل النظام العالمي قد يدفع بلا شك الى إعادة النظر في دور كل المؤسسات الدولية التي خرجت من رحم الحربين العالميتين، حيث ان الأولويات تتغير، والمصالح تتبدل وبالتالي فان المعطيات الجديدة ستدفع باتجاه ولادة نمط مختلف للعمل الدولي على الأقل في الفترة القصيرة القادمة.

لهذا، بالتوازي مع رسالة الملك عبدالله بضرورة خلق حالة من التعاون والتشاركية على المستوى الدولي تضمن تعزيز العدالة الاجتماعية وتخفف من حجم الفوارق الاقتصادية، فان التفكير العملي يقتضي البحث عن خطوات اجرائية سريعة  تبدأ من إعادة صياغة العلاقات الخارجية مع دول المحيط، والبحث عن أرضية جديدة مبنية على المصالح المشتركة المباشرة بعيداً عن شكل التركيبة الدولية القادمة والسياسات التي ستتميز بها.

فللأسف قد يكون عنوان مرحلة اللاتوازن الدولي التي نمر بها حالياً هو الخلاص الفردي والذي يتطلب التركيز على الشأن الداخلي بصفته اهم عوامل الاستقرار مع البدء بالتحرك الإقليمي المباشر ضمن رؤية تضمن على الأقل التعاون الثنائي المشترك وهو منطقياً ما سيؤسس لمرحلة جديدة من التشاركية أكثر جدوى وواقعية، وترجمة حقيقية لفكرة الملك عبدالله في “إعادة ضبط العولمة”.

 د.عامر السبايلة