قراءة هادئة في الضربة الامريكية على سوريا

لم يكن من المستبعد انتقال الادارة الامريكية الى مرحلة شن هجوم عسكري على سوريا، خصوصاً بعد التسريع الامريكي الاخير و تبني موقف تصعيدي تجاه سوريا في اليومين الاخيرين على خلفية مجزرة خان شيخون.
الحقيقة ان اي قراءة متأنية لطبيعة التحرك الامريكي تشير بوضوح ان موقف الادارة الامريكية مرتبط بأجندة سياسية و اهداف ترغب الادارة الامريكية بتحقيقها، و ليست كما تبدو الامور بانها انقلاب مفاجئ في المواقف مرتبط بحدث معين كالحديث عن تغير موقف الرئيس بعد رؤيته لصور المجزرة الاخيرة في سوريا.
التحليل المنطقي يشير ان التحرك الامريكي الخارجي قد يكون في جوهره هروباً من ضغوط داخلية. ان حجم الضغوطات التي تتعرض لها ادارة ترامب في الداخل الامريكي يفوق اي تصور. فيبدو ان اتهام هذه الادارة بالتواطئ مع روسيا كان له الاثر الاكبر في تبني فكرة التصعيد الامريكي خصوصاً في سوريا، بحيث تظهر ادارة ترامب على انها تواجه روسيا و تصطدم بسياساتها مما يمكن ترامب و فريقه من الرد على كافة الاتهامات و دحضها بعد ان بدأت هذه الاتهامات بالاطاحة بافراد ادارة ترامب واحداً تلو الاخر حيث وصلت الامور الى زوج ابنته كوشنير. لهذا فان التحرك العسكري المحدود في سوريا يبدو كافياً لاعطاء الانطباع ان ترامب في حالة مواجهة مع  موسكو لا بل يقوم بضرب مصالحها و يعيد فرض وجود الولايات المتحدة مجدداً في المنطقة على عكس كافة الاتهامات التي تسوق تماهي ادارته و انسياقها وراء موسكو.
اما الحديث عن العمل العسكري في سوريا فهو فعلياً يهيأ الجميع الى تواجد عسكري امريكي في سوريا، و هو امر تعمل الولايات المتحد عليه منذ شهرين تقريباً، لا بل تجري الاستعدادات له على قدم و ساق.
 فمن الواضح ان ادارة ترامب اتخذت قراراً بضرورة ان يكون تحرير الرقة من قبضة داعش بوابة عبور للرئيس الامريكي نحو نسف صورة الادارة الامريكية السابقة غير القادرة على محاربة الارهاب و تؤسس للاعلان عن وجود امريكي في سوريا. فمعظم التقارير الامنية تشير الى تعاظم التواجد الامريكي في سوريا و العمل على تهيئة القوات الكردية لتكون شريك للقوات الامريكية في عملية استعادة الرقة التي لاتبدو انها تقتصر على عمليه استعادة او تطهير من تنظيم داعش بل تبدو في جوهرها عملية استيطان امريكي طويلة الامد لمنطقة الجزيرة و بالتالي الحديث عن وضع اليد الامريكية على حقول النفط و الغاز في تلك المنطقة.
الاحتفاء الاسرائيلي بالضربة الامريكية في سوريا يشير بوضوح ان تل ابيب ترغب في توظيف الحضور الامريكي تجاه اعادة تثبيت حالة التوازن العسكري السائد في المنطقة.  فالشهر الماضي شهد ارسال رسالة روسية   قوية لاسرائيل، خصوصاً عبر الرد السوري على استهداف الطائرات الاسرائيلية المغيرة على سوريا كرد على التحرك الاسرائيلي الامر الذي اوحى بتغير جذري في سياسة الردع في المنطقة. فاسرائيل التي لم تستطع منع التواجد الروسي العسكري في سوريا تعايشت مع هذا التواجد الا انها اليوم تجد بالتدخل الامريكي فرصة لاعادة رسم الامور و ترتيب التوازنات من زاوية ضرورة الا تفكر موسكو في تغيير معادلة الردع في هذه المنطقة، لهذا اصرت الحكومة الاسرائيلية على التأكيد انها كانت على اطلاع على تفاصيل و موعد الضربة الامريكية بطريقة بدت و كأنها شريك في الضربة.
الضربة العسكرية الامريكية لسوريا هي ضربة محدودة لكنها ضربة لها رمزية كبيرة، فهي تشير ان الولايات المتحدة باتت حاضرة و  راغبة بالتدخل على الارض في سوريا. لهذا فان خيارات التصعيد او التهدئة اليوم ترتبط بقدرة جميع الاطراف على البحث عن مخرج سياسي للازمة في سوريا، فالولايات المتحدة مهتمة بالشرق السوري، اما روسيا فقط استوطنت الساحل المتوسطي و اسرايل ترغب باعادة رسم الامور في المنطقة وفقاً لرؤيتها مما يعني ان احتماليات الحرب و المواجهة تضعف امام بروز خيار التسوية الاقليمية التي تضمن لاسرائيل مصالحها وتثبت قواعد الحرب و موازين القوى في المنطقة، و تضمن كذلك للولايات المتحدة مصالحها و لا تؤثر على مصالح روسيا في سوريا و المتوسط. لهذا فان بوابة التسوية الكبرى قد تكون المخرج الوحيد الذي يساعد الجميع على الحفاظ على المكتسبات و عدم الاضطرار لدفع خسائر كبيرة عبر فكرة المواجهة و الحرب.
د.عامر السبايلة