داعش يظهر قدراته على “الحركة والضرب” والتطرف عندما يخترق “الأمني والعسكري”





منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا انتقلت المواجهة مع تنظيم داعش لتأخذ بعداً جديداً في طبيعتها، حيث بدأت تتركز على توسيع رقعة المواجهة في سعي التنظيم لاظهار قدرته على الحركة و الضرب في عدة اماكن و الاستهداف المباشر لاماكن حيوية مدنية يستطيع ن خلالها شل الحياة المدنية، و خلق حالة من الهلع و بالتالي توجيه ضربة مهمة للاجهزة الامنية.

مع هذه التحولات ظهرت تحديات جديدة امام الاجهزة الامنية بشكل عام، خصوصاً تلك التي مازالت تختبر قدرتهاعلى مواجهة الاستنزاف المباشر الناتج عن حالة التأهب المستمرة و التي تدخل عامها الخامس. التحديات الاكبرتواجه دول التماس المباشر مع الازمات المشتعلة و التي تواجه بالاضافة الى خطر التنظيمات الارهابية خطر انتشار العصابات المنظمة التي عملت بحرية تامة في محيط سوريا و العراق على مدار السنوات الماضية. اذاً بالاضافة الي التحديات الارهابية تواجه هذه الدول تحديات متعلقة بالجريمة المنظمة و  تطورها في مناطق الازمات، كذلك احتمالية انتقال هذه الجريمة للعمل في مناطق جديدة بعد الحد من حريتها في سوريا و العراق.

كل هذه المعطيات تشير ان اهم امتحانات الاجهزة الامنية الحالية هي امتحانات قدرة  الاجهزة و افرادها على مواكبة قفزات التطور السريعة في مستوى الجريمة و تعقيدات العمل الارهابي و التفريخات الجديدة للخلايا الارهابية.
ان استيعاب حجم التحديات هذه يشير الى ضرورة انتهاج استراتيجات جديدة معنية برفع قدرات الكوادر الامنية و تحضيرها بطريقة توازي حجم الاخطار التي باتت تمثلها الجريمة المنظمة و الارهاب. مع ضرورة التأكيد على تعزيز شعور المهنية و الالتزام و الحس بالمسؤولية و ادراك ان العبثية في التعامل او الخطأ له كلفة عالية جداً. يضاف الى ذلك ضرورة انتهاج استراتيجية واضحة لمكافحة التطرف لا تقتصر على المجتمع المدني بل ايضاً على القطاع الامني و العسكري حيث تشير بعض الدراسات ان كثير من ملامح التطرف بدأت بالظهور العلني على تركيبة المنظومة الامنية.
 من زاوية أخرى ان كانت المهنية و مواكبة التطور السريع للجريمة و الارهاب تمثل تحديات كثير من الاجهزة الامنية فان الاجهزة الاوربية تدخل في تحديات مختلفة نوعا ما. فاوروبا التي تواجه اليوم تحديات غير مسبوقة مضطرة لاعادة النظر في كثير من السياسات الداخلية و طبيعة التعاطي السياسي و الامني مع كثير من الملفات. أهمها التخلي عن تقليدية الاجراءات الامنية و ضرورة تفعيل عملية التعاون الامني على الصعيد الاوروبي و كذلك اعادة ترتيب عملية التنسيق الامني و التواصل بين الاجهزة الامنية في البلد نفسه، عداك عن ضرورة التخلي عن سياسات انكار الحقائق و غض الطرف عن مكامن الخطر، ففي بعض الحالات التي تم تسجيلها في بعض الدول الاوروبية المستهدفة بشدة اليوم، سُجلت عمليات دفع مبالغ مالية تقدر ب ٦٠٠ يوري شهرياً للفرد لمتعطلين عن العمل لمدة سنوات ليتبين لاحقاً ان هؤلاء المتعطلين عن العمل هم فعلياً مقاتلين اجانب في سوريا.
تحديات مكافحة الارهاب في ارتفاع مستمر و  المواجهة بالطرق التقليدية يبدو انها تأخذ المعركة باتجاه خاسر، فليس هناك اي جهاز على الارض قادر على القيام باجراءات من طراز تفتيش جميع الناس في جميع الاماكن او ايقاف الحياة المدنية و تفاصيلها المتعددة، خصوصاً ان الاجراءات الامنية تقتصر عادة على الاماكن الحساسة التي لم يعد الارهاب معني بالوصول اليها ليحقق مبتغاه. المطلوب تحول جِدي في التعاطي مع النهج الارهابي الجديد و رفع مستوى التعاون الامني و استيعاب اخطاء المرحلة السابقة، و في نفس الوقت لايمكن تأجيل انطلاق عمليات مكافحة التطرف بحجة انشغال الجميع بالواقع الامني، المعركة الحقيقية  هي في التغيير الثقافي و المجتمعي و اساليب التفكير و العيش و ليس فقط في السلاح و عمليات مكافحة الارهاب.

د.عامر السبايلة