كورونا.. العالم.. الصدمة

لم يشهد العالم منذ الحرب العالمية الثانية أزمة حقيقية كتلك التي أحدثنها انتشار فايروس كورونا في العالم.

فالاجيال الشابة اليوم كلها كبرت ضمن المفهوم المسيطر في عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات بأن العالم هو قرية صغيرة مترابطة ومتصلة، السفر متاح على مدار الساعة والتواصل متعدد الاشكال والصور.

جاءت الصدمة بسقوط مفاهيم حرية الانتقال والتنقل وعودة الانسان الى دائرته الصغيرة، اما الأخطر فهو صدمة الانسان بالواقع الجديد، محددات وفروض تصل الى منع الطقوس الأساسية والطبيعية للإنسان. وبالرغم من ان الانسان يمتلك خاصية التكيف مع الامر المفروض عليه والذي لا يختاره في اغلب الأحيان الا انه لا يمكن اسقاط الأثر السيكولوجي الكبير الذي يمكن لصدمة من هذا النوع احداثه في المجتمعات.

من الناحية السيكولوجية، من المستحيل اقناع الانسان المعاصر بمحددات للسلوكيات الطبيعية، او عدم قدرته على ممارسة حياته الطبيعية في أبسط صورها وادنى مستوى حرياته المتمثل بخروجه من المنزل.  عداك عن الصدمة الكبرى التي تواجه انسان اليوم الذي يمكن تصنيفه كضحية لحالة متفاقمة من الاستهلاكية والاعتماد، في ظل مجتمعات تحولت الي مجتمعات غير منتجة ومبررة لاستهلاكية مفرطة.

هذا يقودنا اليوم الى تفكير في النموذج الإنساني الذي تم استحداثه في معظم المجتمعات الاستهلاكية وهو نموذج تم صناعته في أجواء يمكن وصفها بأنها “بلا صعوبات” حقيقية، مما قد يوضح لنا حجم الازمة السيكولوجية التي تعيشها المجتمعات في مواجهة اول الصعوبات، والتي لا تقف عند المحددات السلوكية بل قد تصل الى مواجهة خطر عدم توفر المقومات الأساسية للحياة.

يمكن النظر الى هذه المرحلة على انها مرحلة “هندسة العقل البشري” إعادة صياغته ضمن قواعد جديدة يتم من خلالها تحديد العلاقات البشرية باعتبار ان التواصل البشري المباشر بات هو سبب من أسباب المرض وانتقال العدوى.

لكن هذا الفراغ المتشكل من سيملأه؟

لاشك بأن فايروس كورونا وحالة الهوس البشري الحالية ستنتهي لكن هل يمكن ان تكون نهاية هذا الفايروس كمن سبقه من فايروسات؟ هل يمكن للإنسان العودة لما كان عليه سابقاً؟

الحقيقة ان عملية الرصد للسلوك الإنساني المتكيف مع المحددات المجتمعية الجديدة تشير بوضوح ان ما كان يحضر في العقدين الماضيين بات يستعد لملء الفراغ بقوة وفي كافة التفاصيل.

الثقة تتعاظم في العالم الافتراضي وتقل بشكل ملحوظ مع التواصل البشري والالة (مستقبلاً الروبروت) يصبح مصدر للطمأنينة بينما يرتبط الخوف والتوجس بالبشر. اذاً باختصار العقل البشري يتم إعادة صياغة نظامه التشغيلي على أسس جديدة تتوافق مع كل ما هو قادم.

د.عامر السبايلة