تحرك سعودي لافت لمواجهة إيران تشهده المرحلة الحالية. التحرك السعودي يهدف الى بناء استراتيجية مركبة “عزل ومواجهة” مبنية على مستويات ثلاث (خليجية، عربية واسلامية). هذه الاستراتيجية يمكن النظر اليها على انها ترجمة عملية لبدء عملية عزل إيران في خطوة تتوافق مع مناخات السياسة الدولية التي خلقتها وسوقتها الولايات المتحدة مؤخراً.
التحرك السعودي يعمل على ترسيخ فكرة مركزية السعودية في مستويات اتخاذ القرار الخليجي والعربي والاسلامي، حيث تظهر الرؤية والرغبة السعودية على أنها القاسم المشترك الاكبر للقمم الثلاثة. نمطية اللقاءات هذه تعمل على شرعنة الرؤية السعودية المضادة لايران وتهيئ ارضية لفكرة تجريم إيران خصوصاً ان العامل المحرك لهذه القمم هو الهجوم الذي استهدف المصالح السعودية في المياه الاقليمية الاماراتية، مما يجعل من الصعب على كثير من الاطراف التخلي او حتى عدم مواكبة التوجه السعودي، مما يشير الى احتمالية ان تدفع هذه السياسة بكثير من العواصم للانسجام مع معظم السياسات السعودية بالرغم من محاولجة بعض الدول النأي بنفسها عن هذه التوجهات.
على صعيد المواجهة الامريكية مع إيران، سعت الولايات المتحدة منذ وصول ادارة ترامب لانجاز عملية عزل إيران دبلوماسياً ومن ثم تجفيفها اقتصادياً. حيث اعتبرت هذه الادارة ان احتواء النفوذ الايراني في المنطقة لايمكن ان يتم دون تجفيف اقتصادي واغلاق منافذ الدبلوماسية الايرانية، مما يعزز فكرة انتقال الازمة الى الداخل الايراني بتفريعاتها المتعددة:”الاقتصادي المجتمعي” و”السياسي الامني.”
التماهي الخليجي والعربي والاسلامي مع رؤية عزل إيران وتجريمها قد يهيئ الارضية للولايات المتحدة لشرعنة عملية استهداف إيران او ترويضها، خصوصاً ان هدف الولايات المتحدة المتحدة الرئيسي في المرحلة السابقة تركز على عملية عزل إيران سياسياً ودبلوماسياً، لهذا فان فكرة تحريك ايران بضرب الامن الاقليمي للخليج يقدم وفقاً للرؤية الامريكية تأكيداً على كافة التهم التي تكيلها واشنطن لطهران وتؤكد عليها في كافة المناسبات.
اللافت في هذه المرحلة ان التحرك السعودي يأتي في مرحلة تنتقل فيها أزمة إيران من المستوى الدولي الذي صنعته واشنطن الى المتسوى الاقليمي والذي يحتاج الى مسوغات حقيقية ترتبط بفكرة تهديد إيران للامن الاقليمي ومن ثم التأكيد على أهمية احتواء نفوذها في المنطقة. إذا التحرك على المتسويات الثلاثة هو استكمال لعملية الاطباق الدبلوماسي على إيران ودفعها باتجاه أحد الخيارين تعميق الازمة الداخلية او الخضوع لبوابة التسوية المواربة التي فتحها الرئيس الامريكي. خصوصاً ان التحرك الامريكي يعمل على استغلال ازمة تركيبة المثلث الايراني السعودي التركي، فمن جهة، صعوبة التحرك الروسي في إطار هذه المواجهة ومن جهة اخرى حالة التضاد في المصالح بين موسكو وطهران في بعض الملفات في وسط اسيا، البلقان وحتى في سوريا نفسها، كذلك ازمة العلاقة التركية الامريكية وتعمقها المستمر.
على المستوى الاخر، يشير التحرك السعودي الحالي الى رغبة في اعادة بناء عملية صناعة القرار العربي والاسلامي من البوابة السعودية عبر اعادة صياغة التركيبة العربية عبر مركز الثقل السعودي مع مباركة مصرية يعني اعادة تشكيل الكتلة العربية والاسلامية وتسييد السعودية لموقع الموجه الحقيقي للكتلة الاكبر. كذلك كان من اللافت تأكيد القمة العربية على ثوابت الحل الفلسطيني بصورة هدفت لاغلاق ابواب التأويل والاتهام، وتقديم مسوغات للهجوم على التحرك السعودي او اتهامه بالتفريط بالحقوق العربية، الامر الذي قد يضطر السعودية ايضاً ان تلعب قريباً دوراً أكثر ايجابية تجاه سوريا لتمثل الرياض عندها مرجعية الحل العربي وتنفي عن نفسها تهم تبني سياسات التأزيم.
في النهاية، معظم الاشارات تشير الى عدم تشكل عوامل المواجهة المفتوحة مع إيران بصورة حرب مفتوحة على الاقل على المدى القصير القادم، لكن بلاشك فان حرب الادوات وتوظيفاتها قد تكون البديل المرحلي لكافة الاطراف.
د.عامر السبايلة