مواجهة خطر “العزلة السياسية ” يتطلب دبلوماسية ”ناضجة”

مع انحسار الحديث في منطقة الشرق الاوسط عن الخطة الامريكية للتسوية الاقليمية تظهر عدة اشارات لافتة تشير الى محاولات بعض الاطراف للتلويح برفض تفاصيل التسوية المفترضة بالرغم من عدم الاعلان عن اي من تفاصيلها الى الان. 
في تفكيك مسألة الصفقة وطبيعة تفاصيلها، لايمكن عزل الرؤية الامريكية عن طبيعة تطور الوقائع في الاقليم على مدار القرن الماضي، فالتحولات على الارض هي التي تفرض نفسها اليوم كواقع للتسوية، بمعنى آخر، من المستحيل مقاومة واقع تتكيف معه الاغلبية ومن المستحيل ايضاً العمل على مقاومة التسوية دون احداث تحولات حقيقية في سياسات ادارة الدول على المستويين الداخلي والخارجي، خصوصاً بعد سنوات من تهشيم العمل السياسي وتسطيح والوعي السياسي وتفتيت الحالة الوطنية. 
بالنسبة للاردن، لابد ان تلعب مسألة شُح الخيارات المتوفرة، والاوضاع الاقتصادية الهشة والخطر الامني الدورالابرز في تطبيق مبدأ السياسة الواقعية في التعاطي مع كافة التطورات، وطرح الواقعية يجعل من نهج “البراغاماتية السياسية” العنوان الرئيس لاي استراتيجية مواجهة قادمة، فطريق عمان الآمن يُصاغ عبر الحفاظ على التوازن في العلاقات الاقليمية مع تعزيز قيمة الاردن السياسية ضمن محوره التقليدي. اما الوقوع في فخ نظرية المؤامرة وخلق حالات من الاستعداء غير المبرر فهذا لا يمكن ان يشكل حالة حماية حقيقية من اي تبعات محتملة للاجراءات التي قد يتضمنها اي تصور قادم للتسوية. من هنا، السياسة الوقائية تُحتم على الاردن التحرك باتجاه اعادة التموضع السريع والبحث عن تعظيم المصالح المشتركة مع الحلفاء بالاضافة الى تأمين الحدود الجغرافية عبر صياغة تفاهمات وشراكات تضمن حالة الاستقرار الداخلي وتعاظم الاستفادة الاردنية من اي صيغة تعاون مستقبلية عابرة للحدود.
من وجهة نظر سياسية لابد من اعادة قراءة مرحلة مابعد مؤتمر مدريد ١٩٩٢ والادراك ان غالبية الاطراف قد تصل مضطرة الى مرحلة البحث عن المصالح الفردية وعقد التسويات المنفردة، مما يعني ان عملية صنع القرار في الاردن لابد ان تأخذ بعين الاعتبار خطر تشكل حالة من العزلة السياسية وتدرك في الوقت نفسه حجم ضريبة السقوط في دوامة الصراعات الوهمية التي يمكن ان تتحول بصورة سريعة الى ازمة حقيقية على الارض. من هنا لابد للاردن ان يعمل على اعادة ترتيب علاقته مع محوره وتجسير هوة اي خلافات في حال وجودها، فمن وجهة نظر استراتيجية لايمكن مواجهة اي تداعيات اقليمية مستقبلية دون تحالفات حقيقية ودون تنسيق عال المستوى مع الدول الوازنة في المنطقة. ضمن منطق السياسة الواقعية أيضاً لايمكن الاعتقاد بان التأثيرالاوروبي على السياسة الدولية قادر على تقديم ضمانات في مواجهة الادارة الامريكية ويمكن استحضار كثير من الامثلة وفد يكون آخرها مسألة العقوبات على إيران.  
اذاَ ضمن هذه الرؤية تظهر امام الاردن تحديات اساسية اهمها ضرورة ترتيب العلاقات على محورين اساسيين، المحور الفلسطيني والعلاقة مع السلطة الفلسطينية، والعلاقة مع محور الاردن التقليدي (السعودية، مصر، الامارات). في الوقت نفسه لابد من اعادة ترتيب العلاقة مع سوريا وضمان حضور أردني فاعل في عملية تجسير العلاقة بين سوريا ومحيطها العربي حيث تفرض الجغرافية الاردنية نفسها كوسيط ورابط اساسي في هذه العلاقات مما يشكل فرصة مهمة لردم الخلافات واحداث تقاربات مبنية على المصالح المشتركة.
 السعي لانتاج حالة سياسية حقيقية ومؤثرة على الارض يحتاج الى تفعيل دبلوماسية ناضجة وايجاد قواسم مصالحية مشتركة مع كافة الاطراف، لكن لابد من التذكير بأن غياب الرؤيا الاستراتيجية وقواعد تطبيقها يسمح في النهاية بتشكل حالة من الفوضى تسعى فيه أطراف متعددة لتحقيق مكتسباتها عبر تسويق سياسات شعبوية وتضليلية قد يصعب التعامل مع نتائجها مستقبلاً.
د.عامر السبايلة