الاردن:الحل في ”ثورة إصلاحية” جريئة ومغادرة ذهنية “التعسف والمؤامرة”

لا يمكن اعتبار ما حدث في الأردن في الأسابيع الأخيرة حدثاً عابراً، فهي المرة الأولى التي يظهر فيها شرخ في راس التركيبة السياسية، في عائلة عرفت دائماً باستقرار وضعها الداخلي خصوصاً فيما يتعلق بالتوافق على العرش وتركيبته.

لابد من الإقرار ان ما جرى كان نقطة تحول لافتة، فالمجتمع الأردني لم يشهد يوماً حالة من الاستقطاب والولاءات الفرعية او التجاذبات على مستوى الحكم، مما يعني ان مثل هذا الحدث هو بحد ذاته  تحول لا يمكن رصد تداعياته على المدى القصير بل ايضاً على المدى المتوسط والطويل.

وبالتحليل للواقع أظهرت أزمة أيام معدودة حجم وعمق الازمة في الأردن، خصوصاً اننا لا نتحدث عن أزمة خرجت فيها الجماهير الى الشوارع مطالبة بالإصلاح والتغيير، بل عن ملف تم فتحه بخيار الحكومة وأجهزتها وكان يفترض ان تديره بطريقة أكثر احترافية وقدرة على الاقناع والتحكم بالمشهد، فانتهى الامر بتداعيات غير مسبوقة، خصوصاً ان هذه مسألة امتلك النظام القدرة على فتحها لكن قد لا يملك القدرة على اغلاقها دوم تقديم وصفة تجديدية.

فمثلاِ خبر اعتقال شخص بحجم باسم عوض الله مر دون أي تأثير يذكر على المستوى الشعبي، ويكفي ان نتخيل لو ان مثل هذه الخطوة حدثت من عشر سنوات لربما استطاع النظام في الأردن اغلاق الحديث عن ملف الفساد، خصوصاً ان ملف الفساد والطبقية السياسية الفاسدة اصبح اشبه بالطوفان الذي يشكل الانطباعات ويرسخ القناعات لدى فئة كبيرة من المجتمع ويضع تحديات كبيرة أمام قدرة النظام على التعاطي والتعامل مع هذا الملف بصورة مهنية يقبلها الراي ويتأثر بها إيجابيا.

رغم  ذلك، في التفكير الإيجابي لابد من الوقوف على أخطاء الأيام الماضية التي أظهرتها الازمة والتي اثبتت ان ضعف الإدارة واستيعاب شكل التحولات المجتمعية قد يؤدي بأي ازمة الى تطورات غير مسبوقة، وهذا يذكرنا ايضاً في نمط إدارة الازمات في السنتين الأخيرتين على الأقل، فمثلاً مسألة المعلمين التي بدأت بوقفة احتجاجية انتهت بمعضلة سياسية وأدخلت مفهوم الاضراب للمشهد الأردني توضح ان هناك عقلية تأزيميه قادرة على فتح الازمة والتصعيد وغير قادرة على حل المشكلة وانهائها.

التحولات في أيام قليلة كانت كبيرة، قد يكون ابرزها، اظهار شخصية الأمير حمزة بصورة قوية في الداخل والخارج، والقاء الضوء عليه بصورة ملفتة لا يمكن انكارها ولا يمكن انكار انه تحول إعلاميا على الاقل لمادة أحييت شعور التفاعل مع المشهد السياسي عند الأردنيين.

يتفق الجميع ان الرواية الحكومية كانت فاقدة للربط المحكم وللأدلة عداك عن فجوة المصداقية القديمة ما بين الاردني وحكوماته المتعاقبة، الا ان المتتبع للمشهد يرى حجم النتائج العكسية التي ظهرت.

حيث قامت الحكومة بإعطاء شرعية لمسمى المعارضة الخارجية وتحويلها الى واقع قد يصعب التعامل معه مستقبلاً وقابل للتكاثر والتطور وفتحت الداخل الأردني للتجاذبات والصراعات الإقليمية عند الحدث عن مسألة التدخل الخارجي، كذلك كسرت الحكومة ثوابت لم تكن مطروحة سابقاً على المستوى الشعبي فحولت الأمير حمزة خلال أيام قليلة من مناكف مسكون بمظلوميته الى بديل ساعي للوصول الى الحكم في ادبيات لم تكن مطروحة سابقاً على المستوى الشعبي ولم يتم التطرق لها، مثل منصب الملك ومسألة البيعة الخ.

بالنسبة لدولة مثل الاردن ترسم لنفسها صورة دولية معتدلة بين حلفائها الدوليين، قد يكون الأخطر هو الطريقة التي تم فتح ملف الداخل الأردني بها عالمياً، فالرواية الأردنية الرسمية التي دعمتها معظم الدول في الساعات الأولى رفضتها مراكز الدراسات والصحافة العالمية تدريجياً لا بل انتقلت للبحث في أساس المشاكل في الداخل الأردني، فانتهى الامر بالحديث عن الفساد وسوء الإدارة والسياسات القمعية وهو أمر لم يظهر سابقاً بهذه الصورة وقد تختلف التفسيرات لكن لابد من التحرر من نظرية المؤامرة التي تسود المشهد الداخلي على الأقل اذا ما أردنا تفكيك المشهد وفهم طبيعة التحولات ايضاً في الخارج.

في النهاية لم تنتهي هذه الازمة ويخطيء من يعتقد ان هذا الشرخ لم يترك اثاراً داخلية، لكن يبقى التفكير الأهم هو في كيفية تجاوزها والمضي قدماً بأقل الخسائر خصوصاً ان كافة التقديرات تؤكد ان القادم اصعب على المستوى الاجتماعي والاقتصادي في مرحلة ما بعد كورونا، لهذا قد يكون التحرك الأهم اليوم هو في إعادة ضيط البوصلة الداخلية والبدء بعملية مصالحة واسعة واحتواء سياسي وتغيير حقيقي في طبيعة التعاطي مع الملفات الداخلية.

هذا النمط من إدارة الازمة يحتاج الى ثورة تصحيحية تظهر نتائجها بصورة سريعة، وقد يساعد نموذج الحكم الأردني الحالي في خلق هذا الانطباع، فالنظام في الأردن قادر على اتخاذ قرارات سريعة تثبت حسن النوايا والقدرة على استيعاب الاختلاف واحتواء الناس بدلاً من استعدائهم واقصائهم، وهذا يجب ان يسبق ايضاً الحديث عن قانون انتخاب جديد او افرازات لانتخابات برلمانية جديدة وخارطة طريق طويلة الأمد للإصلاح.

 حجم التحديات والتغيرات تحتاج لمعادلة استباقية حقيقية وهذا لا يمكن ان يحدث الا باتخاذ قرارات جريئة وإظهار رؤي’ واضحة ومتابعة حثيثة، وقد يكون من الضروري ايضاً ان يرى النظام انتصاره في تطبيق عملية الاحتواء السياسي على كافة الصعد والاقتناع ان المشهد يستوعب الجميع، من انهاء للشرخ في داخلة العائلة الحاكمة واحتواء القوى السياسية والمجتمعية. اما اقصاء الجميع واختزال شرعية الحكم بيد دائرة صغيرة فهذا يعني ان الازمة الحالية قد تكون بداية لازمات قادمة ومن يدرس نظريات التطور المجتمعي ونماذجها يدرك ان الشرعية هي أساس الاستقرار لا فرض السياسات والمبالغة بالأمن والقيود.

المصالحة الداخلية هي عنوان التغيير، وهذا التغيير يحتاج الي جرأة كبيرة قد تتوفر فقط في حالة الإقرار بعمق الازمة وضرورة احداث تغيير وتوزيع للسلطة بتشاركية حقيقية بدلاً من تركزها في مكان واحد واستفراد جهة واحدة بها.بتشاركية حقيقية بدلاً من تركزها في مكان واحد واستفراد جهة واحدة بها.

 
د.عامر السبايلة