قراءة في حيثيات الانقلاب في تركيا





كثير من المراقبين للمشهد التركي استطاعو- في الاسابيع الاخيرة- رصد تحركات نوعية تجاه تركيا، على مستويات متعددة، الدولي و الداخلي التركي بما فيها ايضاً رسائل قادمة المؤسسة العسكرية مما يشير الى اكتمال عوامل الاحتجاج الداخلي الذي قد يأخذ صورة تحرك عسكري خصوصاً مع ظهور حركة متعددة الاطراف داخل المؤسسة العسكرية تنتقد و تتحدث عن فشل السياسات التركية و خطر انعكاسها على الداخل التركي.
على الصعيد الدولي، تعلق المعطى الابرز بوصول دول حلف شمال الاطلسي الى قناعة راسخة بعدم قدرة الحلف على التعاطي مع الرئيس التركي و سياسته المنخرطة--وفقاً لقناعتات كثير من الدول- بملفات التأزيم الاقليمية التي لا يمكن التعاطي معها بعد الان.
اما على الصعيد الداخلي، فلا يمكن اسقاط ان التحرك العسكري  ق دسبقه  سيادة مناخ سلبي في الداخل التركي، بدأ بعمليات اقصاء ممنهجة للمعارضين لسياسة الرئيس التركي من خصومه و اصدقاءه على حد سواء، الامر الذي طور حالة من حالات العزلة السياسية الدولية الناتجة عن غياب الثقة لدى كثير من الاطراف الدولية بالرئيس التركي و نهجه. بالرغم من ذلك، شهدت الاسابيع الاخيرة و بعد الاطاحة برئيس الوزراء احمد داوود اوغلو بدأ اردوغان بتبني نهج تغيير راديكالي في السياسة الخارجية، بدأ في الاعتذار لموسكو مروراً بانجاز الاتفاق مع اسرائيل والبدء بارسال رسائل ايجابية لكافة خصوم اردوغان في المنطقة، مصر على سبيل المثال. 
بالعودة الى مسألة الانقلاب، ظهرت الخطوات الاولى للانقلاب و كأنها  تشير الى عملية ممنهجة و مدروسة بعناية و و بدت و كأنها تحظى بدعم دولي و ذلك يتضح من طريقة تغطية المحطات الدولية لاخبار الانقلاب او التصريحات القادمة في بداية المشهد من  المجتمع الدولي.
كذلك لا يمكن اسقاط الملاحظات التي مرت بها خطوات الاعلان عن الانقلاب و التي اشارت الى عملية منظمة و ممنهجة، بدءً من الاستيلاء على قيادة الاركان و اعتقال قائد الجيش، اغلاق منافذ مدينة انقرة و الجسور الحيوية و من ثم مدينة اسطنبول، ضرب مبنى المخابرات و من ثم مقر القوات الخاصة، اغلاق المطار و الاستيلاء على وكالة الاناضول و تلفزيون TRT، و من ثم اخلاء مبنى حزب العدالة و التنمية. 
الخطوة اللافتة لاحقاً هي عملية بث بيان مكتوب يشير ان تدخل الجيش جاء لحماية حقوق الانسان و الحريات من التغول و حماية علمانية الدولية وانهاء الفساد . و تضمن ذلك ايضاً رسالة للمجتمع الدولي بضرورة الحفاظ على العلاقات الدولية و حمايتها من تغول اي فئة و الاشارة الى محاكمة الخائنين للوطن في اشارة ان العملية مدروسة بعناية.
التغير الجذري على المشهد بدأ مع دعوة اردوغان عبر قناة Turk CNN للمواطنيين الاتراك بالنزول الى الشارع الامر الذي اظهر ان عناصر الجيش لم تكن مستعدة للمواجهة مع المواطنين، لا بل تفتقر لرؤية ما بعد الخطاب. فالمراقب للمشهد يدرك ان عناصر الجيش كانت مهيئة للتعامل مع عملية حظر تجوال اكثر من عملية مواجهة مباشرة، الامر الذي غير قواعد اللعبة.
 على كل الاحوال، لا يمكن اعتبار ان هذا الانقلاب بحكم المنتهي، فهو اشبه بزلزال مفاجئ لا بد ان تكون له هزات ارتدادية على الارض و خصوصاً في الداخل التركي اهمها على المستوى الامني الداخلي. فاعادة ترتيب المشهد الامني تحتاج الى عملية معقدة و تحتاج الى قدرة كبيرة على التعامل مع التهديدات الامنية الناتجة عن حالة الخلل الحالي و عوامل التهديد الاضافية (الارهاب، و المسألة الكردية). اهم ملامح المشهد التركي القادم قد تتلخص في انشغال تركيا بمشاكلها الداخلية و عزلها عن المشهد الاقليمي مما يعطي فرصة كبيرة للمجتمع الدولي لاعادة ترتيب اوراق المنطقة و طبيعة العلاقة القادمة مع تركيا ضمن اطر جديدة. فشل الانقلاب لا يعني عودة الامور الى سابق عهدها بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان، فالتصعيد الحاصل الان يشير ان ادارة ملفات السياسة التركية لا يمكن ان تستمر بالطريقة و النهج الذي كانت عليه، خصوصاً في مسألة العلاقة مع اطياف كبيرة من تركيبة الداخل التركي.
د.عامر السبايلة