قراءة امنية سياسية للاحداث الاخيرة في الاردن





مع وصول المواجهة مع التنظيمات الارهابية الى نقطة المواجهة المفتوحة، يجد الاردن نفسه مضطراً لاعادة قراءة الواقع الداخلي بطريقة اكثر عملية و علمية. تتزامن العملية الارهابية التي استهدفت مكتب المخابرات العامة في مخيم البقعة مع تصاعد المواجهة مع تنظيم داعش في سوريا و العراق مع اقتراب وصول الجيش السوري الى الرقة و العراقي الى الموصول، مما يعني ان اي قراءة معمقة  للبعد الاقليمي للمشهد الارهابي تعني ان التنظيمات الارهابية ستسعى منطقياً لتعويض خسائرها في معاقلها عبر احداث عمليات ارهابية في مناطق جديدة يكون الاردن احد اقوى المرشحين لمثل هذه المواجهة.

الاردن في بوابة المواجهة المستمرة مع هذه التنظيمات و لا يمكن اسقاط ان التحديات الامنية تتزايد و تتنوع في اشكالها، من انهاك الاجهزة الامنية التي تعمل على مدار الساعة الى تطور الارهاب و شكله و اساليبه بطريقة تضع ايضاً مهنية الاجهزة امام اختبارات حقيقية، لكن بغض النظر عن المشهد العام للمواجهة مع الارهاب لابد من قراءة حادثة البقعة من زوايا جديدة، أهمها:    

اولاً ان وصول التنظيمات الارهابية لنقطة المواجهة في الداخل الاردني هو امر متوقع نظراً للتنامي المرعب لهذه التنظيمات و التي تتوفر لها حواضن داخلية منعددة لم يتم التعامل معها -الى الان - بطريقة عمليه علمية بل باسلوب غض لابصر، او تطبيق فكرة استخدام ادوات متطرفة في جوهرها لمواجهة التطرف الذي يأخذ شكل الخلايا السرطانية. من الملفت أيضاً ان تقرير الامن القومي الامريكي للاعام ٢٠١٥ حول مكافحة الارهاب و التطرف الصادر مؤخراً  يشير بوضوح الى فشل سياسة مكافحة التطرف الاردنية و القائمين عليها في احداث اي تغيير ملموس في كيفة التعاطي مع التنظيمات الارهابية و المتطرفة بعيداً عن الخيار الامني.

ثانياً، ان التغيير الجذري في شكل و الية الارهاب و سقوط نظرية العمليات المعقدة في مقابل نمو متزايد للعمليات غير المعقدة التي يستطيع فرد واحد ان يقوم بعمل ارهابي كبير، مثل اليات التفجير الفردي، اطلاق الرصاص المباشر، او وضع القنابل المصنعة يدوياً،  يعني ان المواجهة القادمة مع الارهاب هي مواجهة مفتوحة و خطيرة يمكن ان تحدث في اي مكان و زمان، و بالتالي فان التعاطي المستقبلي مع الاخطار لابد ان يأخذ بعين الاعتبار ان تجفيف منابع الارهاب اصبح امراً واجباً و ليسترفاً يتم تأجيلهب حجة ان الاولوية هي لمواجهة الوضع الامني الحالي، فالوضع الامني الحالي اصبح جزء من من ضرورة البدء في مكافحة التطرف جدياً.     


اما اختيار ان يكون الهدف هو مكتب المخابرات في مخيم البقعة للاجئين فهو يحظى برمزية كبيرة و محاولة لربط مخيمات اللاجئين في الاردن في ما يجري في مخيمات اللاجئين في الدول المضيفة ، كما جرى في مخيم اليرموك في دمشق او عين الحلوة و نهر البارد في لبنان. واي قراءة امنية تشير الىسهولة تنفيذ مثل هذه العمليات غير المعقدة(اطلاق رصاص من سلاح اتوماتيكي)  و احداث ضرر كبير و توجية ضربة معنوية كبيرة للدولة الاردنية و سهولة خروج المنفذين و دخولهم الى تجمعات سكانية كثيفة مما يؤدي الى تطورات لا يحمد عقباها..

 المرحلة الحالية تتطلب جرأة و تغيير في سياسة ادارة الملفات الداخلية، و تتطلب رؤية حقيقية بعيداً عن حالة الانكار السائدة . نسب التطرف في الاردن هي من اعلى النسب الموجودة، و انواع التطرف و شكله يجب التعامل معه بأسلوب حاسم ضمن استراتيجية واقعية يتم تطبيقها بأسلوب مهني و عملي دون خوف او تردد.
د.عامر السبايلة